2022-11-09
الانتهاك: الاعتداء على أشجار.
أقدمت مجموعة متطرفة من المستعمرين فجر يوم الأربعاء الموافق (9/11/2022) انطلاقاً من البؤرة الاستعمارية في منطقة " جبعيت" على مداهمة أحد حقول الزيتون في تلك المنطقة الواقعة الى الشرق من قرية المغير، في محافظة رام الله والبيرة، حيث استغل المستعمرون عدم تواجد المزارعين هناك، في تنفيذ اعتداءها بقطع وسرقة 120 غرسة زيتون جرى زراعتها حديثاً في أرض المزارع أكرم كمال النعسان من أهالي القرية، حيث قام المستعمرون بنقل قسم كبير من تلك الغراس باتجاه البؤرة الاستعمارية هناك.
بدوره أفاد المزارع المتضرر للباحث الميداني بالقول:
" قبل شهر تقريباً قمت بزراعة تلك الغراس على مساحة أربع دونمات، حيث انها تبرع من إحدى المنظمات البيئية الدولية الناشطة في المنطقة، وكان الهدف هو إنشاء مزرعة صغيرة نموذجية تجسد علاقتنا بأرضنا التي تعتبر رمز بقائنا هنا، في ظل توسع دائرة الاعتداءات التي يقوم بها المستعمرون على المزارعين هنا، ومحاولتهم الاستيلاء على الأرض وفرض قيود صارمة تمنع من وجودنا هنا بأي شكل من الأشكال، علماً بأن المستعمرين يستولون بشكل كبير على مساحات كبيرة من أراضي جبعيت، حيث يدعي المستعمرون أن تلك الأراضي فارغة، رغم أنها مزروعة، وبذلك يبسط المستعمرون سيطرتهم على الأراضي هناك، فكانت الفكرة هو زراعة الأرض للدالة على انها مستغلة وليست متروكة كما يدعي الاحتلال".
يذكر الى أن شرطة الاحتلال برفقة ما يسمى الارتباط المدني الإسرائيلي تواجدوا في المكان في اليوم التالي، ولكن على أرض الواقع اكتفت شرطة الاحتلال بتسجيل إفادة ضد مجهول كما يحدث في كل مرة.
يشار الى ان منطقة ” خربة جبعيت” تقع الى الشرق من قرية المغير في محافظة رام الله و البيرة، حيث يعتمد المواطنين على معيشتهم على الزراعة وتربية المواشي، وينحدر أهالي التجمع البالغ عددهم 56 فرداً إلى قرية المغير تحديداً من عائلة ابو عليا، ومنذ إخلاء معسكر جبعيت القريب من التجمع قبل نحو ثلاثة أعوام، شرع المستعمرون بالاستيلاء على ارض المعسكر لإنشاء بؤرة استعمارية هناك، ومن ذلك الوقت يقوم المستعمرون في تنفيذ عدد من الاعتداءات بحق رعاة الأغنام والمزارعين بغرض ثنيهم عن ممارسة أنشطتهم الزراعية بهدف الاستيلاء على كامل اراضي المنطقة.
وقد رصد الباحث الميداني في وقت سابق، عدد كبير من الاعتداءات في منطقة جبعيت تمثلت بنشر السموم التي فتكت في عدد من رؤوس الاغنام، وأيضاً تجريف قطع أراضي وتقطيع أشجار على مدار السنوات الأربعة الماضية.
قرية المغير[1]:
تقع قرية المغير إلى الشمال الشرقي من مدينة رام الله تحديداً على بعد 30 كم عن المدينة، حيث يبلغ عدد سكان القرية حوالي 2900 نسمة حتى عام 2010م – حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وتقع معظم أراضي قرية المغير في الجهة الشرقية من القرية وتصل حتى حدود نهر الأردن، وتبلغ مساحتها الإجمالية 33,055 دونم منها 501 دونم عبارة عن مسطح بناء للقرية. وصادر الاحتلال من أراضيها لصالح الطريق الالتفافي رقم 458 أكثر من 37 دونماً. هذا وتشكل المناطق المصنفة C حسب اتفاق أوسلو للقرية 95% تحت سيطرة الاحتلال بالكامل، بينما 5% فقط تشكل منطقة مصنفة B، وتبلغ مساحتها:
مناطق مصنفة ب: 1,695 دونماً.
مناطق مصنفة ج: 31،360 دونماً.
التعليق القانوني:
إن البيئة الفلسطينية عامةً تتعرض لانتهاكات بيئية عديدة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ضاربة بعرض الحائط كافة القوانين والأعراف الدولية والوطنية المتعلقة بحماية الحقوق البيئية، وإن الحق بالعيش في بيئة نظيفة وسليمة هو حق لصيق بالإنسان منذ الخليقة. ودائماً ما يحاول الاحتلال الظهور بمظهر الحريص على الشؤون الدولية على الرغم من توقيعها على اتفاقيات كبرى لحماية البيئة أبرزها اتفاقية بازل عام1989م واتفاقية روتردام عام2008م واتفاقية ستوكهولم2001م واتفاقية رامسار عام1971م، وكذلك مواثيق جودة الهواء والمناخ ورغم ذلك تقوم بانتهاك جميع هذه المعاهدات دون محاسبة أو مراقبة.
بالإضافة إلى النصوص الخاصة بحق التمتع ببيئة نظيفة وسليمة لكل من يقع تحت الاحتلال العسكري بحسب القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية، كاتفاقية لاهاي للعام 1907م في المادة 23 (يمنع بالخصوص: أ. استخدام السم أو الأسلحة السامة) والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون الأول / ديسمبر 1966 في المادة (1) البند (2): "...لجميع الشعوب، سعياً وراء أهدافها الخاصة، التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية دونما إخلال بأية التزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة وعن القانون الدولي. ولا يجوز في أية حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة...".
ومما لا شك فيه أن الاعتداءات التي يقوم بها الجانب الإسرائيلي تخالف قوانين "دولة الاحتلال" قبل غيرها من القوانين، وبالرجوع إلى تفاصيل هذه الحالة نجد أن قانون العقوبات الإسرائيلي لعام 1977م وتعديلاته قد نص على أن التعدي على ممتلكات الغير لارتكاب جريمة فعل معاقب عليه بالقانون، حيث نصت المادة 447 على أنه:" من فعل أي من ذلك بقصد ترهيب مالك عقار أو إهانته أو مضايقته أو ارتكاب جريمة، عقوبته السجن سنتين:
(1) يدخل أو يعبر العقار؛ (2) بعد دخوله العقار بشكل قانوني، بقي هناك بشكل غير قانوني.
(ب) تُرتكب جريمة بموجب هذا القسم عندما يحمل الجاني سلاحًا ناريًا أو سلاحًا باردًا، عقوبته هي السجن أربع سنوات".
وبقراءة نص هذه المادة نجد بأن القانون العقوبات الإسرائيلي جرم مجرد دخول أي شخص بدون وجه حق إلى عقار ليس بعقاره بهدف الإهانة أو المضايقة أو الترهيب ويعاقب على ذلك الفعل سنتين، وتتضاعف العقوبة عندما يرتكب الشخص جريمة في عقار غيره باستخدام سلاح أو أداة حادة أو ما يسمى بالسلاح البارد فتصبح أربع سنوات، وبطبيعة الحال عندما يدخل المستعمر إلى أرض فلسطيني في منطقة "ج"[2] ليقطع أشجار الزيتون المزروعة في أرضه يكون حامل لقطعة سلاح ومحمياً بمجموعات من ميليشيات المستعمرين المسلحين أو بحماية جيش الاحتلال ويقوم باقتلاع و/أو تدمير المحاصيل الزراعية والأشجار، وهذا ما جاء صراحةً في نص المادة المذكورة من قانون العقوبات الإسرائيلي آنف الذكر.
كما أن القانون الإسرائيلي جرّم فعل السرقة، فالمستعمرين لم يكتفوا بقطع الأشجار بل سرقوا 120" غرسة زيتون جرى زراعتها حديثاً"، وعليه نصت المادة 384 من قانون العقوبات الإسرائيلي 1977م على أنه:" من سرق شيئاً على النحو المبين أدناه عقوبته السجن أربع سنوات:
.... (2) الشيء الذي يستخدم كأداة عمل أو وسيلة لتحقيق رزق الإنسان، بما في ذلك الأدوات الزراعية أو المنتجات الزراعية أو الماشية أو قصب السكر، بشرط أن تتجاوز قيمة المسروق 1000 شيكل.
(3) شيء ذو قيمة ثقافية أو علمية أو تاريخية أو دينية أو فنية...".
وتتمتع شجرة الزيتون بقيمة عالية ومكانة خاصة عند الفلسطينيين، فهي تمثل رمزًا للثبات لدى الفلسطينيين وشاهدة مهمة على أحقية الشعب الفلسطيني بهذه الأرض لتشكل هذه الشجرة المباركة جزءًا من هوية وعروبة فلسطين.[3] إضافةً للبعد الاقتصادي لهذه الشجرة، حيث أن عشرات آلاف من الأسر الفلسطينية تستفيد من ثمار الزيتون والزيت وتلبي احتياجاتهم. وبالتالي فإن قيام المستعمرين بفعل قطع وسرقة الأشجار إنما يشكل جريمة حقيقية ذات بُعد إنساني وثقافي وعقائدي واقتصادي.
وبالرجوع إلى أنظمة ما تسمى بالإدارة المدنية الإسرائيلية[1] فإن عملية قطع الأشجار في منطقة "ج" تحتاج إلى إذن من الإدارة المدنية من أجل قطع أو نقل شجرة أو أشجار وهذا الطلب فقط متاح لأصحاب الأرض أو مستأجرو الأرض أو أصحاب شقة في بيت مشترك (عمارة سكنية) أو المقيمون في الملك، وبالتالي فإن المستعمر ليس له أي صفة أو صلاحية باستعمال الأرض أو التغيير في معالمها، وعليه نجد بأن المستعمرين انتهكوا كل المعايير والحقوق الدولية الإنسانية والبيئية وأهمها الحق في الحياة والحق في الأرض والحق في العيش في بيئة نظيفة إضافةً لانتهاكهم لما جاء من قوانين من قبل حكومتهم.
[1] هي هيئة حكم إسرائيلية تعمل في الضفة الغربية وعلى وجه الخصوص منطقة "ج".
وعليه فإن المعتدي الإسرائيلي يخالف دون أي وجه حق ما جاء في القوانين والمعاهدات الدولية، وما جاء أيضاً في قوانين "دولته" الداخلية مخالفةً صريحة، وعليه لا بد على "القضاء الإسرائيلي" محاسبة ومعاقبة المستعمرين على هذه الأفعال بموجب نصوص قوانينهم وما جاء فيها. إلا أنه لا يوجد أي مسائلة قانونية للمعتدي من قبل القضاء الإسرائيلي. ولكن هذا لا ينفي حق أي إنسان على هذه الأرض أن يعيش في بيئة نظيفة وسليمة وآمنة من أي انتهاك واعتداء ضدها.
[1] المصدر: وحدة نظم المعلومات الجغرافية – مركز أبحاث الأراضي.
[2] بعد توقيع اتفاقية أوسلو في 13 أيلول 1993 بين دولة الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية في الولايات المتحدة الأمريكية قُسّمت الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية إلى أربعة أقسام (A,B,C, ومحمية طبيعية)، وتشكل الأرض المصنفة "ج" ما نسبته 60.9% من أصل 5660 كم2 من مساحة الضفة الغربية، والتي تحوي على قدر كبير من مقومات بناء الدولة الفلسطينية، وكان الأصل _ حسب اتفاقية أوسلو _ أن المنطقة "ج" ستصبح تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وفي النهاية جزءاً من أراضي دولة فلسطين، وذلك عندما يتم التوصل إلى اتفاق دائم، ولكن لم يتم الأمر كذلك وبقيت هذه الأراضي تحت تصرف الإدارة الإسرائيلية إدارياً وأمنياً.
[3] قرر المؤتمر العام لليونسكو في دورته الأربعين في عام 2019م، اعتبار يوم 26 من تشرين ثاني/ نوفمبر من كل عام "يوما عالميا للزيتون"، وقد تم تكريم فلسطين في ذلك اليوم، بأن تمت زراعة شجرة زيتون واحدة فقط في الساحة الأمامية لمبنى مجلس الزيتون الدولي، وكانت تلك الشجرة فلسطينية.