2005-03-18

صفقة بيع ساحة ميدان عمر بن الخطاب في باب الخليل

إن صفقة بيع ساحة – ميدان – عمر بن الخطاب وما عليها من عمائر في باب الخليل في القدس تديرها البطريركية الأرثوذكسية المقدسية في داخل القدس لصالح مستثمرين يهود، الصفقة  التي كشفتها صحيفة معاريف الإسرائيلية في عددها الصادر في 18/3/2005 ، الصفقة التي يعتبرها أبناء الطائفة الأرثوذكسية العربية الفلسطينية بشكل خاص والفلسطينيون مسلمون ومسيحيون بشكل عام ، جريمة كبرى واعتداء على حقوق الشعب الفلسطيني ووجوده وعاصمته  و ميراثه الحضاري  والديني والتاريخي والعمراني ، وهي باطلة لأنها بين من لا يملك إلى من لا يستحق .

على مدار قرن ومنذ بداية الغزو الصهيوني لفلسطين لم يتردد هذا المشروع الاستعماري الاستيطاني في الاستيلاء ولو على شبر واحد من ارض فلسطين بكل السبل : بالسلاح وبالتزوير وبالتهديد والابتزاز والنصب والاحتيال ، والاغتصاب في فلسطين بشكل عام  وفي القدس بشكل خاص ، فكان احتلال ثلثي فلسطين و 50 كم2 – من 56 كم - من مساحة القدس بالسلاح الصهيوني  والتآمر الاستعماري البريطاني عام 1948، وكان احتلال بقية فلسطين والقدس في حزيران 1967 ، ومنذ ذلك الحين والاحتلال الإسرائيلي يسابق الزمن لضم المدينة المقدسة وطمس معالمها وتهويدها بكل الأشكال والطرق ، فكان إخلاء حي المغاربة وتدميره بعد اقل من أسبوع من احتلال المدينة المقدسة ، وكان إخلاء مواقع من أهلها المقدسيين و إحلال  مكانهم مستعمرين يهود في هذا الموقع أو ذاك ، و حي باب السلسلة و الواد و القرمي وحارة شرف – حارة اليهود – بشتى الذرائع والحجج،  وبمثلها أيضا تم الاستيلاء على أراضي المقدسيين ومنعهم من استعمالها والبناء عليها بذريعة أنها أراض خضراء و أراضي دولة ، و أراضي لبناء مستعمرات و أملاك غائبين ... و الخ والتي بلغت مساحتها 86% من أراضي المقدسيين .

ومثلت البلدة القديمة من القدس باحيائها وعقاراتها ومقدساتها الإسلامية والمسيحية مركزاً للهجمة الاستعمارية اليهودية الاستيطانية التي انتشرت في أرجاء المدينة كانتشار الخلايا السرطانية في الجسد، وبشكل أساسي في غرب وغرب جنوب البلدة القديمة  إضافة لعشرات البؤر الاستعمارية الاستيطانية المنتشرة في أحيائها والقريبة من بواباتها.

مــن العنـــق إلـى القـلـب

 وإذا مت الصفقة الدنيئة بنقل ملكية ميدان باب الخليل والعمائر القائمة فيه : فندق الإمبريال الجديد المكون من ثلاث طوابق ويحتوي على 50 غرفة وعدد من القاعات ، وفندق البتراء المكون من طابقين ويحتوي على 30 غرفة وقاعتين ، إضافة لأكثر من 30 محل تجاري ، إن القيمة السياسية

والمادية والتي لا تقدر بثمن للموقع يكامله تكمن أيضا في انه يربط مركز الشرطة القشله بالحي اليهودي المتصل بساحة البراق والتي على أنقاضها وأنقاض حارة المغاربة أقام الاحتلال اليهودي ما يسمى  بساحة " المبكى " يربطها جميعها بالمركز التجاري الذي يجري بنائه من سنين غرب السور وعلى بعد عشرات الأمتار من ساحة عمر بن الخطاب ، إن الموقع بمثابة العنق المؤدي مباشرة إلى القلب : الحرم الشريف بمسجديه وكنيسة القيامة الأمر الذي يعني تهويد نصف المدينة أو يزيد ، وهذا يفسر مطالبة إسرائيل في مفاوضات كامب ديفيد الثانية عام 2000 ببقاء هذه المنطقة تحت السيادة الإسرائيلية من اجل إحداث التواصل بين الأحياء الاستعمارية اليهودية داخل سور القدس ، وهذا يفسر العنوان العريض الذي كشفت فيه جريدة معاريف الإسرائيلية لملك الصفقة : " ساحة عمر بأيدينا " إن الصفقة بين البطريركية الارثوذكسية والمستثمرين اليهود أياً كانت بيع أم تأجير لمدة 99 عاماً أو اكثر، وسواءً تمت بالاحتيال والنصب والتزير أم لا، وسواء اكتملت الصفقة أم لا – ولولا اكتمال حلقاتها لما سمحت اجهزة الأمن الاسرائيلية بكشفها -، وسواء كان ذلك بعلم وموافقة البطريرك اليوناني " ايرنيوس الأول " وبمسؤوليته المباشرة وغير المباشرة وهذا ما دفع الامين العام للبطريركية " ارسطاس خورس " الطلب إلى البطريرك بالاستقالة، أو كان ذلك باحتيال مستشاره " نقولا ببا ذيماس " صاحب السوابق الجنائية في اليونان وصاحب صفقات سوداء في فلسطين والذي نشرفي الصحف صورة لتوكيله من قبل البطريرك ، كما ونشرت أسماء وكلاء البطريرك من المحامين اليهود ومنهم " جلعاد شير " رئيس ديوان رئيس الوزراء السابق ايهود براك والذي كان يفاوض المفاوض الفلسطيني ، والمحامي " يعقوب ميرون " وغيرهما .

وسواء كانت الصفقة بقيمة 23 مليون دولار أم بما يزيد عن 130 مليون دولار ، فان ذلك كله لا يقلل من خطورة الصفقة على عروبة القدس عاصمة الدولة الفلسطينية ، الصفقة التي أكملت حلقة التهويد للمدينة : بعد أحزمة المستعمرات ألـ 31 المطوقة  للمدينة ، وبعد اكتمال جدار الضم والتوسع والعزل العنصري حول المدينة المقدسة ، إن كل ذلك يزيد من خطورة الموقف ويستدعي العمل الجاد والفوري من كافة الأطراف المؤثرة ، من الحكومة الأردنية التي لدورها الآن بعداً قانونياً هاماً في هذه القضية بموجب القانون 28 لعام 1958 حيث يحمل البطريرك المعين الجنسية الأردنية ويستوجب تعينه موافقة الحكومة الأردنية ، وهي التي تملك بحكم قانون البطريرك اتحاد الإجراءات الرادعة بحق كل من يثبت تورطه . وتحرك السلطة الفلسطينية بحكم أن الأرض ارض فلسطينية والبطريركية على الأرض الفلسطينية وابناء الطائفة هم عرب فلسطينيون ، وتعيين البطريرك  أيضا يستدعي موافقة السلطة الفلسطينية .

إن خطورة  الوضع الذي تمثله صفقة " البطريركية " يستدعي التحرك الفوري وايضاً الجاد والمدروس في ذات الآن قبل أن تخلق وقائع على الأرض تزيد الأمر تعقيداً و بهدف :-

جعل البطريرك " ايرينيوس الأول " يتحمل المسؤولية كاملة عما يلحق باموال ووقف طائفة الروم الارثوذكس كما تحمل المسؤولية في كتبه إلى المستأجرين لعقارات البطريركية في ساحة عمر بن الخطاب في 23/3/2005 بكونه " المالك الحقيقي للعقارات الذي يجب فقط التعامل معه" ، بهدف القيام بكل ما من شانه ابطال والغاء تلك الصفقة سواء كانت تتضمن البيع أو الايجار ، كما ويجب أن يفصح البطريرك عن أية صفقة تم التوقيع عليها ولم تعلن بعد والعمل على إلغائها فوراً .

إلغاء كافة الوكالات القانونية لمحامين يهود مهما كان نوعها : بيع ، إيجار ، شراء، تنازل ، وكالة عامة أو خاصة وعدم تكرار ذلك في المستقبل .

تكثيف الجهود الرسمية الفلسطينية والأردنية واليونانية لعزل البطريرك " ايرينيوس الأول " لكونه المسؤول الأول عن تسريب وقف الطائفة لليهود ، وهي ليست المرة الأولى بل تكررت مراراً الأمر الذي يستوجب معاقبة القانون .

على البطريركية أن تدرك بأن أصولها وعقاراتها هي أراضي فلسطينية أولاً و أخيراً و إذا كان من حقها الامتلاك والحيازة والمنفعة إلا انه يحظر عليها كلياً التنازل أو البيع أو التأجير لغير الفلسطينيين .

المسيحيون الفلسطينيون الأرثوذكس وطنيون وملتزمون منذ عهد وزمان سيدنا المسيح عليه السلام ، وهم دوماً جزء لا يتجزأ من النضال الوطني الفلسطيني قيادته وقاعدته ، وهم قادرون على تسلم زمام امور الطائفة والكنيسة الادارية والمالية والدينية ، وهم قادرون اليوم على  المشاركة ومشاركون في تحقيق الأهداف سابقة الذكر جنباً إلى جنب مع السلطة الوطنية الفلسطينية.

الوطــــــن ليس حقيبــــة مسافـــــر

لا نقول ببطلان الصفقة لكونها باطلة قانونياً لخرقها اتفاقية عام 1958 والتي تقضي بعدم صلاحية توقيع أي جهة لا للبيع أو التأجير أو التشغيل دون موافقة وقرار مجلس إدارة البطريركية – المجمع المقدس -  ( السنودوس ) المكون من 18 عضو نصفهم عرب ونصفهم الآخر من اليونان – ولجهة معادية لوطن وشعب ومقدسات الطائفة الأرثوذكسية المقدسية العربية والفلسطينية .

ولا نقول أنها صفقة باطلة لكونها صفقة احتيال وتآمر من قبل من لا يملك لمن لا يستحق ، إنه الاحتلال الذي ممنوع عليه ضم الأراضي الواقعة تحت إدارته إلى أراضيه ودولته ولا أن يغير من طبيعتها أو وصفها .

ولا نقول أنها صفقة لاغية وباطلة لان الأرض وما عليها ، وقفها الآباء والأجداد من الطائفة الأرثوذكسية العربية في فلسطين لمنفعة وصالح أبناء الطائفة الروم الأرثوذكس الفلسطينيين المقدسيين وانها وقف  لا يباع ولا يشترى .

بل نقول أن الصفقة باطلة ولاغية لأن ارض فلسطين بكاملها واجزائها هي ملك لشعب فلسطين وهي أحد المكونات الاساسية لدولته والتي بدونها لن تكون دولة ، وأياً كانت الجهة المالكة لهذه المساحة أو تلك دينية أم دنيوية ، فالأرض الفلسطينية هي الوطن الفلسطيني بكل معانيه وبكل ابعاده التاريخية والاجتماعية والفكرية والنضالية ، وحق الشعب الفلسطيني في هذه الأرض ، حق غير قابل للتصرف جملة وتفصيلاً لا من رئيس أو ملك أو ممثل ولا حتى من الشعب الفلسطيني اليوم ، فالوطن حق للاجيال السالفة وحق للاجيال القادمة لا أحد يملك التصرف به .

العقــــــــــــارات موضـــــــــــــــوع الصفقــــــــــــــــــــة

وتقع في ساحة عمر بن الخطاب الممتد من باب الخليل – باب يافا – ( في المقطع المهدوم من سور القدس الغربي والذي فتح لدخول موكب إمبراطور ألمانيا  الثاني حين زار القدس ) – وعلى يسار الساحة من الغرب إلى الشرق تمتد وعلى يمين الساحة قلعة باب الخليل والى جنوبها مبنى القشلة  - مركزاً للشرطة - ، وعلى يسار الساحة من الغرب إلى الشرق بعد مدخل سوق اللدادوة – إلى بطريركية دير اللاتين عمارة فندق امبريال الجديد ويوجد خمسة مداخل اثنان بينهما مغلقان لبوابات تؤدي إلى مجمع العقارات الأرضية والتي يزيد عددها عن 27 اضافة لمحلات أخرى مغلقة ، ولطبيعة الموقع السياحية فان العقارات مشغولة بمهن سياحية مثل الطماطم والمقاهي ومحلات التحف والمصنوعات السياحية ومحلات البقالة الخفيفة .

المجموعة الثانية من العقارات هي فندق البتراء لصاحبه بشير قرش والمكون من طابقين ويحتوي على 30 غرفة وقاعتين ، واسفل الفندق 6 محلات لا تتبع لبطريركية الروم الأرثوذكس ، وقد اشترى والدبشير قرش الفندق عام 1930 ، ويقع مدخل فندق البتراء على عتبة السوق – سويقة علون - المفضي إلى طريق البازار وطريق حارة النصارى .

ويعلو المجموعة الأولى من العقارات فندق امبريال الجديد المكون من طابقين ويزيد عمره عن المائة عام . وفي مقابلة مع المواطن أبو امير الدجاني صاحب الفندق الذي يأخذ الاعلاميون والباحثون عن المعلومة جل وقته منذ أن نشرت جريدة معاريف الإسرائيلية في 18/3/2005 خبر الصفقة.

افاد أبو امير : اشترى والدي أبو الوليد محمد الدجاني الفندق عام 1950 من صاحبه آنذاك محمد طاهر الداودي وكان الفندق باسم "فندق القلعة " وغير اسمه إلى" فندق امبريال" 1956 وكان عقد الايجار بيننا وبين دير الروم الأرثوذكس أيام البطريرك ذيوذوروس بعقد سنوي يتجدد تلقائياً ، وحتى الستينات كان بدل أجرة الفندق 1600 دينار أردني واليوم هي 20.000 دينار أردني يضاف إليها 25.000 دينار أردني ضريبة مستحقات – ارنونا – سنوياً ، ويبلغ مسطح الفندق 1600 م2 وعدد الغرف 50 غرفة إضافة لعدد من القاعات ويحتوي على 85 سريراً ، ويعتقد أبو امير أن الفندق بني عام 1889،أيام زيارة امبراطور المانيا ولهلم للقدس ، شأنه شأن مدرسة شميدت بشارع نابلس وكنيسة اوغستا  - مستشفى المطلع - فكتوريا وكنيسة الالمان في جبل صهيون في القدس واخرى في يافا .

ويذكر أبو أمير أن مستشار الملك الحسن الثاني " ازولاي " وكان يهودياً افسد قراراً اتخذه الملك رئيس لجنة القدس في حينه ، عندما أشار الملك إلى مستشاره بعمل اللازم مالياً ليكون الفندق " مقراً للجنة في القدس ، بحجة الموضوع سيخلق تعقيدات وأزمات ، فعدل الملك عن قراره .

وفي صباح 18/3/2005 رن جرس الهاتف ورفعت السماعة وإلا بسائل يسألني هل أنت أبو الوليد ، أيقظتك من النوم ، وقلت له نعم أنا فمن أنت وماذا تريد ؟ فقال أنا من الإذاعة الإسرائيلية ، هل لديك كاس ماء أريد أن أخبرك أن فندقك بيع لليهود وارجع إلى جريدة معاريف اليوم ، وفعلاً شعرت أن الدنيا تدور بي وسقط الهاتف من يرى على الأرض لشدة وهول المفاجأة .

وقال المتحدث – الإسرائيلي -  أريد أن أقول لك نقطتين :

إن البيع تم بسرية تامة .

الفلسطينيون لا يعرفون انهم يأكلون ويشربون على ارض إسرائيل .

وبعدما أتم أبو أمير حديثه بدا على وجهه الحزن والألم سيما وانه المقدسي الذي عاش الموقع طيلة حياته ، وهو يعرف تبعات ومخاطر الصفقة إن تمت على الموقع وعلى القدس ، وانهى أبو امير حديثه مجيباً على سؤالي قائلاً - وصلنا كتاب من البطريرك يقول (نحن نعلمكم بهذا بشكل قانوني و أدبي أن العقار المستأجر من طرفكم أن العاقد هو وما زال ملكية بطريركية الروم الارثوذوكس . ولهذا ننبهكم أن أي طرف أو خص ينتحل ملكية العقار المذكور هو متعدي وغير قانوني ، ونطلب منكم عدم التعامل مع أي شخص أو طرف بالنسبة للعقار سوى المالك الحقيقي وهو بطريركية الروم الأرثوذكس).