أبحاث الأراضي يشارك في جلسة لإحاطة المقررين الخواص للأمم المتحدة ... أثر الهدم الإسرائيلي للمساكن على المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال | LRC

2024-09-09

أبحاث الأراضي يشارك في جلسة لإحاطة المقررين الخواص للأمم المتحدة ... أثر الهدم الإسرائيلي للمساكن على المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال

وزارة شؤون المرأة الفلسطينية .. واحة ندى في صحراء قاحلة

واقع المرأة الفلسطينية بين الحماية والمسائلة الدولية

ورشة عمل لإحاطة المقررين الخواص للأمم المتحدة

9 – أيلول – 2024

جمال طلب العملة

مستشار مركز أبحاث الأراضي

وسط نيران حرب إبادة مسعورة يشنها الاحتلال الإسرائيلي على شعب فلسطين، نظمت نخبة من القيادات النسائية الفلسطينية لقاءاً .. ليس مؤتمراً ولا ورشة عمل لكنه تجاوزهما في ابداع الأداء وأهمية النتائج وفورية التوصيل للمقررين الخواص الذين تصل تقاريرهم لكل أصحاب القرار في هذا العالم الممتد .. ولا شك أن هذا النجاح المميز يعزى لفريق وزارة شؤون المرأة الرائع بقيادة الأخت الأستاذة منى الخليلي الوزيرة الشابة المتدفقة بالإلهام والمحبة والعطاء ولوكيل الوزارة الأستاذ داوود الديك الرجل الحصيف ذو النظرة المستقبلية الثاقبة.

استهلت الوزيرة اللقاء بقول مباشر:- "نتطلع لهذا اليوم، كنافذة لتسليط الضوء على انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق النساء الفلسطينيات. ودور الأطر والأدوات الدولية القانونية المتاحة لحماية النساء ولمساءلة الاحتلال ومحاسبته على جرائمه وانتهاكاته". 

وتساءلت الأستاذة الخليلي بألم وغضب:- 

"هل لا يزال هنالك وقت للانتظار وللصمت؟ بالتأكيد لا. فالوقت في فلسطين يعني خسارة الأرواح البريئة، كل دقيقة  يقتل فيها أطفال ونساء وشيوخ وذوي إعاقة وغيرهم من المدنيين. كل دقيقة تدمر فيها مساكن ومبانٍ ومستشفيات ومدارس وبنى تحتية، كل دقيقة تعني مزيدا من العطش والجوع والمرض، وكل دقيقة تعني نزوحا قسرياً جديدا محفوفاً بخطر خسارة الأرواح". 

واستعرضت في كلمتها عناوين كافة الانتهاكات التي تمس المرأة في قطاع غزة والضفة بما فيها شرقي القدس والانتهاكات التي تمس الانسان الفلسطيني في هذه المرحلة الخطيرة من حياة شعبنا في ظل حرب الإبادة والتهجير، ثم أكدت باسم الوزارة:- "بأننا لا نزال نعوّل على المجتمع الدولي، والهيئات الدولية، ونــراهن على الدور الحيادي والموضوعي للمقـررين الخواص في إعلاء صوت الضحايا عبر تقاريرهم المنتظمة".  

وبدورها بإسم الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية أكدت المناضلة انتصار الوزير -ام جهاد-: 

"أن الصمت الدولي والحماية والدعم الأمريكي لكيان الاحتلال قد ساهم في تشجيعه على الاستمرار في عدوانه على قطاع غزة وتماديه بتوسيع هذا العدوان على الضفة الغربية من خلال إجراءات ميدانية على الأرض عبر فرض الاحتلال العسكري المباشر واجتياح المدن ومحاصرة المخيمات وتدميرها ومصادره الأراضي وتوسيع الاستيطان وتهويد القدس .. وتقويض السلطة الوطنية الفلسطينية ومحاصرتها ماليا وسياسياً".

واعتبرت رئيسة الاتحاد:- 

"أن ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي من جرائم ضد الشعب الفلسطيني بكافة فئاته يستدعي تدخلاً فورياً وفعّالاً من القوى الدولية وهيئات المجتمع الدولي وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لوقف هذه الإبادة الجماعية .. ومحاسبة هذا الكيان الفاشي".

وتوجهت باسم الإتحاد العام للمرأة الى المقررين الخواص بضرورة العمل على فضح جرائم الاحتلال من أجل وقف حرب الإبادة هذه".

بدورهما قدم كل من د. إبراهيم خريشة مندوب فلسطين الدائم في الأمم المتحدة – جنيف، و د. عمر عوض الله مساعد وزير الخارجية الفلسطيني مداخلات هامة شرحا فيها ماهية المقررين الخواص بأنهم لا يتقاضون أجراً من الأمم المتحدة بل متطوعين يدفعهم لذلك ضميرهم الإنساني وسعيهم للعدالة وسمعتهم الناصعة التي تمنح تقاريرهم ثقة عالية وتأثير كبير على صناع القرار في العالم، وهم محايدون يحتكمون للقانون الدولي الإنساني وللمواثيق والمعاهدات التي وقعت عليها الدول، كما وأظهر السفيران بأن خطوة وزارة شؤون المرأة في تجميع أوراق عمل ومعلومات ميدانية حية من قبل خبراء فلسطينيين يعيشون الواقع يشكل المادة الخصبة التي يحتاجها المقررون وتستند اليها تقاريرهم، وبينوا أن القانون الدولي والمحاكم الدولية لا تتعامل بعاطفة بل بالحقائق الموثقة.

ولقد أبدع الخبراء الفلسطينيون في عرض ملخصات أوراقهم الموجهة مباشرة للمقررين الخواص كل في مجال اختصاصه مما أحدث تفاعلاً إيجابياً عميقاً استفاد منه الطرفان، وقد تلخصت ورقة مركز أبحاث الأراضي التي قدمها أ. جمال طلب العملة وكانت بعنوان "أثر الهدم الإسرائيلي للمساكن على المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال" بما يلي:-

- لقد تم تنفيذ سياسات التهجير القسري في فلسطين من خلال جريمة "هدم المساكن" منذ بدء الانتداب البريطاني على فلسطين حتى اليوم (104) سنوات، حيث تم هدم حوالي 603,923 مسكناً وتم تهجير حوالي 4.87 مليون فلسطيني تهجيرا داخليا وخارجيا.

ولا شك أن من يتحمل العبء الأكبر لجريمة هدم المساكن وتهجير الأسرة هي المرأة والأم التي تغدو مجبرة على المكابرة على آلامها لحفظ اسرتها واسناد قهر وكسر زوجها.

أجمعت كافة معاهدات واتفاقات منظومات حقوق الانسان الدولية على تجريم وتحريم هدم المساكن والتهجير القسري، واعتبرت الحق في المسكن "الموئل" حق إنساني أساسي ومحوري للعديد من الحقوق: الكرامة، الحياة، الامان، الخصوصية، الصحة، الحق في مستوى معيشي مناسب، العلم، العمل والاتصال وسهولة الوصول إليه، ولأنه عقاب جماعي والمادة 33 من اتفاقية جنيف تقول: "لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصياً".

لكن الاحتلال الإسرائيلي لا يأبه بكل منظومات حقوق الانسان الدولية فهو نظام خارج على الشرعية الدولية ومخالف للقانون الدولي. 

ويعتمد الاحتلال الإسرائيلي في سياساته لهدم المساكن الفلسطينية في الضفة الغربية وشرقي القدس على قوانين لا تراعي النظام الاجتماعي الفلسطيني لا سيما في الأرياف والمضارب البدوية، فالاحتلال يقوم بهدم الخيمة والبركس والمغارة والكهف تماماً كما يهدم مساكن الطين البدائية أو مساكن الطابوق والحجر، وعلى نفس القانون يهدم بئر جمع مياه الأمطار أو الجدار الاستنادي أو البركة الاسمنتية أو البركة الترابية، علماً بأن البناء غير المرخص ليس خياراً فلسطينياً، بل دفعوا إليه جراء سياسية الاحتلال في التنظيم والبناء، والتكلفة العالية للبناء وندرة الأراضي المتاحة. كما يحاصر الاحتلال الإسرائيلي حياة البداوة الفلسطينية ويمنعها ويقوم بإجبار المضارب البدوية على الرحيل لأطراف القرى والمدن! وهذا هدم للتراث وللثقافة الفلسطينية وحصر للحريات التي كفلها القانون الدولي الإنساني.

 

يقوم الاحتلال الإسرائيلي بشرعنة المستعمرات والبؤر التي يقوم المستوطنون الإسرائيليون بإنشائها على الأرض الفلسطينية بصورة عشوائية، ففي الوقت الذي هدم الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية لوحدها منذ احتلال عام 1967 حتى نهاية 2023 حوالي (12,903) مسكن فلسطيني قام بإنشاء حوالي (200,000) مسكن للمستوطنين الإسرائيليين موزعة على حوالي (642) مستعمرة وبؤرة استعمارية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م. 

ولا يوجد في المنظور الأمني الإسرائيلي مناطق تحت سيادة السلطة الفلسطينية، فكل المناطق مرتعا لهم ولمستوطنيهم، مما يجعل للتراخيص والمخططات التي تضعها السلطة الفلسطينية مجرد أضحوكة ولا يتم احترامها.

 

أثر التهديد بالهدم -أوامر الهدم- على المرأة الفلسطينية:-

  • ينطفئ الرجل في داخل نفق من العقبات والمشاكل المالية والاجرائية مع المحامين والمكاتب الهندسية والدوائر ذات العلاقة بسبب قرارات الهدم فيترك للمرأة كل شؤون البيت وهي أكبر من أي مسؤوليات منها:-
  • حراسة البيت من أي هجوم مفاجئ بغرض الهدم، أي أن المرأة تحكم على نفسها بالحبس الذاتي داخل البيت خوفا من الهدم المفاجئ فتعيش حالة من الهلع والخوف تدمر الأعصاب.
  • القيام بتنظيم مقتنيات البيت الثمينة والهامة (سواء كانت وثائق أراضي أو عقارات أو شهادات الميلاد والهويات وجوازات السفر ووثائق الضرائب والوثائق المدرسية للأطفال، وأي مصاغ ذهبي أو فضي بعد إخراجها من مخبئها ووضعها في مكان سهل البلوغ لتظل على أهبة الاستعداد لحملها والخروج بها قبل الهدم.
  • العناية بالأطفال ومتابعة مدارسهم وتعليمهم وهي بهذه النفسية المرهقة والقلقة، مما يتسبب بتراجع المستوى التعليمي للأطفال الطلاب.
  • محاولة الاجابة على أسئلة الأطفال المرتبكة حول ماهية أسباب حالة الطوارئ التي نغرق بها ولا تجعلنا ننام أو نلعب بلا خوف.
  • مواجهة تراجع أو انهيار مصروف الأسرة حيث تستهلك الغرامات والمخططات والمحامين غالبية دخل الأسرة، مما يتطلب من المرأة مرغمة الى تقليص مصروف الغذاء والتقتير الى حد تصبح المعيشة لا تطاق خاصة من قبل الأطفال، وهنا تصبح ألعاب الأطفال والملابس الجديدة والأثاث الجديد ضرباً من الرفاهية المبالغة والتبذير! 
  • هناك الكثير من الأمهات الشابات ممن يدرسن في الجامعات يضطررن للتوقف عن الدراسة بسبب تراجع القدرة المالية للأسرة وبسبب الانشغال الذهني والحاجة للتفرغ التام لمواجهة معضلة الهدم.
  • كافة أبناء الأسرة الملتحقين بالجامعات يصبحون على شفير الخطر بسبب الوضع المالي وبسبب التراجع الأكاديمي الناجم عن عدم القدرة على الدوام والمشاعر المتضاربة التي تنتابهم بهذه المرحلة الحساسة من أعمارهم مما يتسبب بألم مضاعف على المرأة والأم.

إفادة حية لحالة مهددة بالهدم:-

أفادت المواطنة بهريز شحدة محاريق من بلدة السموع جنوب محافظة الخليل - المهدد مسكنها بالهدم:-

 " أفكر كثيراً أين سأذهب بأطفالي وكيف سأنتقل بابني وخاصة أن حركته صعبة ... أعيش وأسرتي في خوف وقلق دائم على مصير الأسرة المجهول !!"

أثر الهدم الفعلي للمساكن الفلسطينية على المرأة وبالذات على الأمهات:-

بالإضافة لكونه جريمة ضد الإنسانية يعتبر هدم المسكن ترحيلاً حقيقياً للأسرة حيث ستكون مضطرة للمغادرة والانتقال الى بيت آخر عند أهل الزوج أو أهل الزوجة أو أحد الجيران أو الأقارب الى حين ترتيب الأوضاع الخاصة بالأسرة المهجرة بسبب الهدم، وهنا برغم دفء التضامن الإنساني الشعبي مع الأسرة المهجرة بسبب الهدم إلا أن المعاناة العميقة للمرأة تنتقل لمرحلة أخرى أشد وأعمق وبصورة لا تُطاق ومنها:-

  • المرأة وأطفالها وزوجها سيصبحون ضيوفاً على مسكن بالكاد يستوعب أصحابه! تختنق الأسرة دون جرأة على الشكوى، تحتمل المرأة غضب الرجل وصياح الأطفال وسلوكياتهم الشاذة أحياناً بسبب الكبت النفسي، وهذا بلا شك يورث أمراض نفسية كثيرة.
  • تضطر المرأة بجانب ذلك لمساعدة مضيفة أسرتها في شؤون البيت المختلفة مما يرهقها جسدياً ونفسياً دون أن تشكو من أي ألم.
  • في بيت الضيافة يزداد الخوف على الوثائق والمصاغات، فإن بالغت المرأة الضيفة بالحرص على حقيبتها تسببت في تجريح المضيفة، وإن أهملت ذلك يظل قلبها يشتعل قلقاً، وأي خطأ صغير قد يدمر علاقة الأسرتين وسمعتهما.
  • لا تخلو الأجواء الاجتماعية المخنوقة هذه من احتكاكات بين الأطفال وتلميحات جارحة من الكبار تجعل الأم المهجرة من بيتها المهدوم تعاقب أطفالها دون ذنب وتمتص التلميحات بمذلة وتستبدل دمعتها بابتسامة مصطنعة فيكاد أن يقتلها التناقض.
  • تضطر الأسرة غالباً الى نقل الطلبة الاطفال الى مدارس أخرى قريبة من السكن المؤقت الجديد وهذا يدمر شخصية الأطفال ويساهم في تدهور تحصيلهم العلمي ويتسبب لهم بشعور بالغربة والانعزال فيزدادوا انطواء أو شراسة.
  • تتراجع العلاقات الاجتماعية للأسرة فيزداد وضعها تعقيداً وبؤساً.
  • تحت وطأة هذا الواقع الصعب تضطر المرأة غالباً لبيع مصاغها الذهبي -إن وجد- أو تستدين من أهلها لاستئجار بيت لكي تغادر بيت الأقارب وتنتقل للبيت الجديد، وهذا يشكل عبئاً مالياً لا يطيقه غالبية المهدومة مساكنهم.
  •  كل الحالات أعلاه تضع الرجل في خانة من الضعف والخذلان مما يجعله أكثر عصبية واستفزازا، ولطالما حدثت حالات انفصال أو طلاق بين الزوجين بسبب خلافات ما بعد الهدم الأمر الذي يتسبب في هدم الأسر اجتماعيا بعد هدم مساكنهم فيزيائياً. 

تهجير التجمعات البدوية:- 

منذ استلام حكومة نتنياهو وبن غفير وسموترتش في مطلع عام 2023 وثمانية أشهر من عام 2024 تم هدم وتهجير حوالي 35 تجمعاً بدويا فلسطينيا الى أطراف قرى ومدن فلسطينية مشتتة في الأغوار الفلسطينية في جريمة جديدة ذات أثر مدمر للتراث الثقافي البدوي الفلسطيني، طال هذا التهجير حوالي 309 أسرة بدوية يبلغ تعدادها حوالي 1985 نسمة نصفهم من الاناث باتوا منفصلين عن واقعهم، فقد تسرب أطفالهم عنوة من المدارس، وتم بيع غالبية ما تبقى من أغنامهم بسبب ابتعادهم عن المراعي الطبيعية وبسبب سرقة المستوطنين للكثير من قطعانهم في وضح النهار تحت تهديد السلاح، ويعتبر أثر هذا الصنف من التهجير هو الأشد خطورة على النسيج الاجتماعي البدوي وعلى مراحل تطور أعمار أبنائهم وبناتهم وما سيسببه ذلك من مخاطر تسيب اجتماعي وتفكك لهذه الأسر المعروفة أصلا بأنها أسر محافظة ذات عادات وقيم تراثية يعتز بها الشعب الفلسطيني.

وخلاصة القول فإن للمرأة الفلسطينية الدور الحاسم في تعزيز التنمية وتحسين مستوى الأمن الغذائي ورفع المستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسرة الفلسطينية عبر التاريخ، لكن في فلسطين للمرأة دور مضاعف من الألم والمسؤولية، فهي بجانب مشاركة الرجل في بناء الأسرة والكدح في الحقل والمؤسسة والدائرة والمدرسة والمشفى فهي أيضاً تواجه بشاعة وظلم الاحتلال الإسرائيلي، حيث يلاحق الاحتلال المسكن الذي يأويها والأرض التي تفلحها ويلاحقها وأسرتها فتصبح الأكثر تضرراً عندما تضطر أن تكتم حزنها وتنسى حقوقها وتتسامى على أنوثتها لتلملم ما يتبقى من أغراض بيتها وتمسح دموع أطفالها، وترمم عزيمة زوجها 

وتنهض من تحت الرماد وتبدأ مسيرة البناء مجدداً