تفاصيل الإنتهاك:
مع بدء موسم قطف الزيتون الحالي 2025م، صعّد المستعمرون من وتيرة الاعتداءات على الأراضي الزراعية وعلى شجرة الزيتون التي تعد عنوانًا يعكس عروبة الأرض، وهي في الوقت ذاته تمثّل الوجود الفلسطيني، حيث يُجدد المزارع الفلسطيني تمسّكه بالأرض التي لطالما احتضنته.
يُشار إلى أن قرية كفر قدوم الواقعة إلى الشرق من مدينة قلقيلية شهدت في ساعات الفجر الأولى من يوم الأحد الموافق 5/10/2025م وقوع اعتداء جديدٍ من قبل المستعمرين الذين استهدفوا حقلًا للزيتون يقع ضمن حوض "السَّفر" شمال شرق القرية.
وبحسب المتابعة الميدانية فقد تعمد المستعمرون الذين يُعتقَد أنهم جاؤوا من البؤرة التي تم إنشاؤها حديثًا في منطقة "الكدان"، على استخدام أدوات حادة في نشر سيقان وأفرع خمسين شجرة زيتون معمرة بعمر سبعين عامًا، مما أدى إلى إلحاق تلف كلي فيها، مخلفين وراءهم خرابًا كبيرًا يعكس حِقد المستعمرين تجاه تلك الشجرة المباركة.
وتعود ملكية الأشجار المتضررة الموزعة على 12 دونم إلى المزارع غسان محمد عبد الرحمن اشتيوي، حيث قام بدوره بتضمين الأرض بموجب عقد مزارعة إلى المزارع عمر يوسف إسماعيل اشتيوي من أجل الاعتناء بها وخدمة الأرض، علمًا بأن المزارع الأخير يعيل أسرةً مكونة من أربعة أفراد من بينهم اثنتان من الإناث.
يذكر أن هذا الاعتداء هو الأول من نوعه على هذه القطعة، حيث أفاد المزارع عمر اشتيوي بالقول:
"أمتلك قطعة أرض تبلغ مساحتها 12 دونمًا مشجرة بالزيتون المعمر بموجب عقد مزارعة مع المزارع غسان اشتيوي الذي يقيم حاليًا خارج البلاد، حيث على مدار عشر سنوات خلت وأنا أعتني بالأشجار وأقوم بجني ثمار الزيتون دون أي مشاكل أو معوقات، وكانت الأرض تُنتج ما لا يقل عن 250 كيلو زيت زيتون في الموسم الجيد، وهذا الزيت كنت أبيع قسمًا كبيرًا منه من أجل إعالة أسرتي ودفع مبلغ المزارعة المترتب، مع الإشارة إلى أن الأرض تقع شمال شرق القرية على مسافة كيلومترين عن بيوت القرية، وكنت أذهب هناك إلى الأرض عبر الدواب كون لا يوجد أي طريق زراعية تؤدي إليها".
وأضاف قائلًا:
في شهر حزيران الماضي أقام المستعمرون بؤرة استعمارية على منطقة جبل الكدان في الجهة الشمالية الغربية من القرية وأطلقوا على تلك البؤرة اسم "حي جدعون"، وهي تقع فعليًا على مسافة تسعمائة متر عن أرضي المشجرة بالزيتون، ومنذ إقامة تلك البؤرة بدأت قصة المعاناة في الذهاب إلى الأرض، وهي رحلة معاناة محفوفة بالمخاطر، حيث نتعرض نحن المزارعين أصحاب قطع الأراضي هناك دائمًا إلى مضايقات من قبل المستعمرين بل ومحاولات للاعتداء علينا بشكل أو بآخر، بل وصل الحد إلى قيام المستعمرين بإطلاق طائراتٍ تتابع تحركاتنا وما نفعل في الأرض، علمًا بأن المستعمرين سبق وأن قاموا في الأشهر الثلاثة الماضية بتخريب ثلاث غرف زراعية في موقع قريب من أرضي بالإضافة إلى ردم بئر لجمع المياه بهدف التخريب ومنعنا من الوصول إلى الأرض.
واستطرد قائلًا:
"صباح يوم الإثنين تم إبلاغي من قبل ابن أخي يوسف مصطفى اشتيوي بقيام المستعمرين بقص جزء كبير من الأشجار في أرضي بطريقة وحشية، حيث كان ابن أخي يتواجد هناك بهدف جني ثمار الزيتون من قطعة قريبة من أرضي، وعلى الفور توجهت هناك برفقة عدد من المزارعين عبر سلوك طرق وعرة وخطرة حتى تفاجأت بقيام المستعمرين بقص ما لا يقل عن خمسين شجرة زيتون وإتلافها، وكان هذا المشهد صعبًا عليّ لما تمثله هذه الشجرة من أهمية كبيرة بالنسبة إلينا، حيث كنت دائمًا حريصا عليها كحرصي على أبنائي، ولم أستطع البقاء في الأرض من شدة حزني واضطررت إلى العودة للقرية والحزن الشديد يعصر نفسي من شدة ما رأيت، ولكن عندي إصرار على العودة مجددًا مهما كلف الأمر".
يُذكر أنّ الباحث الميداني قد وثق في شهر حزيران الماضي قيام المستعمرين بإنشاء بؤرة جديدة على أراضي قرية كفر قدوم في موقع "الكدان"، حيث إن تلك البؤرة تُسهم بشكل كبير في زرع الخراب في المنطقة ومنع المزارعين من الوصول إلى ما يزيد على 150 دونمًا في القرية، حيث وثق الباحث الميداني أيضًا أعمال التخريب وقطع الأشجار التي رافقت إنشاء تلك البؤرة حتى تاريخه.
وعلى مدار السنوات الماضية، كانت قرية كفر قدّوم لها دور طليعي في تسجيل اعتداءاتٍ على أشجار الزيتون من قبل المستعمرين، حيث رصد مركز أبحاث الأراضي العشرات من تلك الاعتداءات التي تصب نحو تخريب الأراضي الزراعية وإلحاق الأذى بالأشجار والمزارعين على حدٍّ سواء.
المستعمرات المقامة على أراضي قرية كفر قدوم:
تُعَدّ قرية كفر قدوم الواقعة إلى الجهة الشرقية من مدينة قلقيلية، والبالغة مساحة أراضيها الزراعية نحو عشرين ألف دونم، محط أطماع سلطات الاحتلال بسبب موقع القرية الاستراتيجي، ووقوع معسكر الجيش الأردني القديم في تلك المنطقة، حيث أقدمت سلطات الاحتلال على تحويل ذلك المعسكر إلى نقطة عسكرية لقوات الاحتلال بعد حرب عام 1967م، وبعد ذلك في عام 1975م تم تحويل معسكر الجيش التابع للاحتلال إلى مستعمرة سميت فيما بعد باسم مستعمرة "كدوميم".
تقع مستعمرة كدوميم على أنقاض معسكر الجيش الأردني القديم في الجهة الغربية والجنوبية من القرية، حيث تأسست في عام 1975م، وتبلغ مساحتها نحو 1090 دونمًا من أراضي كفر قدّوم وقرية جِيت المجاورة، ويقطن بها نحو 3290 مستعمرًا، حيث يوجد بها اليوم معهد ديني بالإضافة إلى عدد من المزارع يستغلها المستعمرون في الزراعات الحقلية لديهم، بالإضافة إلى مزرعة لتربية الخيول، علاوة على أنه كان يوجد في المستعمرة لغاية عام 2006م مقر الارتباط والتنسيق الإسرائيلي المسؤول عن منطقة قلقيلية وسلفيت.
ويذكر أن سلطات الاحتلال أقدمت على السيطرة على التلال المجاورة للمستعمرة من الجهة الشمالية بطريق الخداع، لتؤسس في عام 1982م نواة مستعمرة "كدوميم عيليت"، لتصادر اليوم ما مساحته 533 دونما من أراضي كفر قدوم، حيث يقطن بها اليوم نحو 300 مستعمر.
كما يذكر أن مجموعة من المستعمرين قاموا بالاستيلاء على قطعة أرض في سفح جبل محمد شرق القرية عام 2000م لينشئوا نواة استعمارية سميت فيما بعد بمستعمرة "هار حميمد"، لتصادر حتى اليوم نحو 100 دونمٍ من أراضي القرية.
التعقيب القانوني:
إن البيئة الفلسطينية عامةً تتعرض لانتهاكات بيئية عديدة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ضاربة بعرض الحائط كافة القوانين والأعراف الدولية والوطنية المتعلقة بحماية الحقوق البيئية، وإن الحق بالعيش في بيئة نظيفة وسليمة هو حق لصيق بالإنسان منذ الخليقة. ودائماً ما يحاول الاحتلال الظهور بمظهر الحريص على الشؤون الدولية البيئية على الرغم من توقيعها على اتفاقيات كبرى لحماية البيئة أبرزها اتفاقية بازل عام1989م واتفاقية روتردام عام2008م واتفاقية ستوكهولم2001م واتفاقية رامسار عام 1971م، وكذلك مواثيق جودة الهواء والمناخ ورغم ذلك تقوم بانتهاك جميع هذه المعاهدات دون محاسبة أو مراقبة.
بالإضافة إلى النصوص الخاصة بحق التمتع ببيئة نظيفة وسليمة لكل من يقع تحت الاحتلال العسكري بحسب القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية، كالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون الأول / ديسمبر 1966 في المادة (1) البند (2): "...لجميع الشعوب، سعياً وراء أهدافها الخاصة، التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية دونما إخلال بأية التزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة وعن القانون الدولي. ولا يجوز في أية حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة...".
ومما لا شك فيه أن الاعتداءات التي يقوم بها الجانب الإسرائيلي تخالف قوانين "دولة الاحتلال" قبل غيرها من القوانين، وبالرجوع إلى تفاصيل هذه الحالة نجد أن قانون العقوبات الإسرائيلي لعام 1977م وتعديلاته قد نص على أن التعدي على ممتلكات الغير لارتكاب جريمة فعل معاقب عليه بالقانون، وبقراءة المادة 452 من قانون العقوبات الإسرائيلي نجد أن القانون يخالف من يرتكب اعتداءً أو ضرراً للممتلكات سواء ( بئر ماء، بركة ماء، سد، جدار أو بوابة فيضان بركة، أو أشجار مزروعة، جسر، خزان أو صهريج ماء) يعاقب بالسجن عليه خمس سنوات.
كما أن المادة 447 من قانون العقوبات الاسرائيلي نصت على أنه:" من فعل أي من ذلك بقصد ترهيب مالك عقار أو إهانته أو مضايقته أو ارتكاب جريمة، عقوبته السجن سنتين:
(1) يدخل أو يعبر العقار؛ (2) بعد دخوله العقار بشكل قانوني، بقي هناك بشكل غير قانوني.
(ب) تُرتكب جريمة بموجب هذا القسم عندما يحمل الجاني سلاحًا ناريًا أو سلاحًا باردًا، عقوبته هي السجن أربع سنوات".
وبقراءة نص المادتين نجد بأن قانون العقوبات الإسرائيلي جرم مجرد دخول أي شخص بدون وجه حق إلى عقار ليس بعقاره بهدف الإهانة أو المضايقة أو الترهيب ويعاقب على ذلك الفعل سنتين، وتتضاعف العقوبة عندما يدخل المعتدي ويرتكب جريمة في عقار غيره باستخدام سلاح أو أداة حادة أو حتى الاعتداء الأراضي الزراعية من قطع وحرق وتخريب، وهذا ما تم تجريمه صراحةً في نص المادة 447 من قانون العقوبات الإسرائيلي آنف الذكر، كما يعاقب 5 سنوات لمن يتسبب بضرر للممتلكات المذكورة في المادة 452 وعليه فإن المعتدي " المستعمر" يجب أن تكون مخالفته مضاعفة الأولى بالدخول لعقار ليس بعقاره والثانية بالتعدي على الأشجار المزروعة وقطعها مما تسبب بضرر بيئي.
وعليه فإن المعتدي الإسرائيلي يخالف دون أي وجه حق ما جاء في القوانين والمعاهدات الدولية، وما جاء أيضاً في قوانين "دولته" الداخلية مخالفةً صريحة، وعليه لا بد على "القضاء الإسرائيلي" محاسبة ومعاقبة المستعمرين على هذه الأفعال بموجب نصوص قوانينهم وما جاء فيها. إلا أنه لا يوجد أي مسائلة قانونية للمعتدي من قبل القضاء الإسرائيلي. ولكن هذا لا ينفي حق أي إنسان على هذه الأرض أن يعيش في بيئة نظيفة وسليمة وآمنة من أي انتهاك واعتداء ضدها.
Disclaimer: The views and opinions expressed in this report are those of Land Research Center and do not necessarily reflect the views or positions of the project donor; the Norwegian Refugee Council.
إخلاء المسؤولية: الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا التقرير هي آراء ووجهات نظر مركز أبحاث الأراضي ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر أو مواقف الجهة المانحة للمشروع؛ المجلس النرويجي. للاجئين
صور لآثار تقطيع أشجار الزيتون في قرية كفر قدوم